الرئيسية » جلجولية » الرًّد على منشور الدكتور عبد الله الحواري من نابلس - من الدكتور فؤاد علي شملة
الرًّد على منشور الدكتور عبد الله الحواري من نابلس - من الدكتور فؤاد علي شملة
18/08/2019 - 08:36
إن انتهاء الأجل هو السبب الوحيد للموت، وأن الله تعالى هو المحيي والمميت، كما دل على ذلك الفهم البين الواضح لآيات القرآن الكريم. وحقيقة الأمر كذلك أن شيئاً ما حتى يصلح أن يكون سببا لا بد أن ينتج المسبَّب حتما، وأن المسبَّب لا يمكن أن ينتج إلا عن سببه وحده، وهذا بخلاف الحالة، فإنها ظرف خاص بملابسات خاصة يحصل فيها الشيء عادة، ولكن هذا قد يتخلف ولا يحصل. ولنأخذ مثلا للسبب ومثلاً للحالة، فالحياة سبب للحركة الذاتية في الحيوان، فإذا وجدت الحياة فيه وجدت الحركة الذاتية فيه، وإذا عدمت الحياة فيه عدمت الحركة الذاتية فيه. وهذا بخلاف المطر بالنسبة لإنباتِ الزرع، فإنه حالة من الحالات التي ينبت بها الزرع، وليس سببا لإنبات الزرع. فالمطر ينبت الزرع عادة ولكن قد ينزل المطر ولا ينبت الرزع، وقد ينبت الزرع من رطوبة الأرض، كالزرع الصيفي الذي ينبت بدون نزول المطر. وشبيه المطر مرض الطاعون، وضرب الرصاص، وغير ذلك، فهذه قد توجد ولا يحصل الموت، وقد يحصل الموت من غير أن يوجد أي شيء من هذه الأشياء التي يحصل فيها الموت عادة. لذلك فمرض الطاعون وفيروس كورونا والسرطان، والغرق، وضرب الرصاص، مثلا هي حالات يحصل فيها الموت عادة، ولكنها ليست سببا للموت.
لا بدّ أن تعلموا إخوتي الكرام بأنني جرّاح مخ وأعصاب وإختصاصي إسعاف مكثّف لجراحة الأعصاب وطب الطوارئ لمدّة تزيد عن 25 عاماً في ألمانيا ومركزي هو  نائب جراحة المخ والأعصاب بالمستشفى الجامعي في ألمانيا، لي باعٌ كبير من التجربة  للتعامل مع المرضى قبل وأثناء وبعد العمليّة أيضاً!
لا شك بأنّ هنالك الكثير من المخاطر في بعض العمليّات والُتي واجب الطبيب المعالج أن يشرحها لمريضه بكل دقّةٍ وصراحةٍ مع تبيان وجود بدائل لهذا العلاج والذي يعطي نفس النتيجة.
 
تُعدّ مهنة الطب من أنبل المهن على وجه الأرض، والطبيب بردائه الأبيض كملاك الرحمة للمرضى، وعند رؤيته تهدأ النفوس وتطمئن، وكإنسانٍ نبيلٍ يبذل الطبيب نفسه، ووقته، وحياته، ثمناً لراحة الآخرين، وعلى الطبيب أن يتمتع ببعض الصفات ليناسب هذه المهنة الرفيعة، فما هي هذه الصفات؟ وما أهمية مهنة الطب؟ وكيف تكون الحياة دون أنبل المهن وأسماها؟ إنّ الطب مهنة نشأت مع نشأة الإنسان، فهي ضرورةٌ من ضروريّات الحياة، ولا حياةٌ سليمةٌ دونها، حيث يبذل الطبيب قصارى جهده لإنقاذ حياة المرضى، والتخيف من ألمهم، ومعالجة مشاكلهم الصحيّة، وإدخال السرور على قلوب الناس حين يُشفى أحباؤهم من أمراضٍ هددت حياتهم، وينشأ بين الطبيب والأمراض صراعٌ قويٌ ومرهقٌ، والهدف الأسمى للطبيب في هذا الصراع؛ القضاء على المرض، ومعاونة المريض على العيش بصورةٍ طبيعيةٍ، وبصحةٍ ممتازةٍ لا يحتاج من خلالها أي مساعدةٍ، وكما يهدف الطبيب إلى المساهمة بشفاء المريض، وتوفير البيئة الخالية من الأوبئة والأمراض لجيل الغد. ومثل هذه المهنة النبيلة تحتاج للعديد من الصفات التي يجب أن تتوفر في الطبيب؛ حتى يستطيع أن يفي هذه المهنة السامية حقها، ومن هذه الصفات أن يكون الطبيب مؤهلاً علمياً للقيام بمثل هذه المهنة، وتؤهله لممارسة هذا العمل بالخبرة الكافية.
لا يجوز تخريج المريض من المنشأة الصحية التي يتلقى فيها العلاج، إلا إذا كانت حالته الصحية تسمح بذلك، أو كان ذلك بناءً على رغبته في الخروج رغم تبصيره بعواقب خروجه.
أسأل نفسي كطبيب جرّاح متمرّس، هل يجوز إخراج المريضة بعد عمليّة تقصير بطريقة Laparoscopic Gastric Plication في نفس يوم العمليّة بعد إجراء تخدير كامل للمريضة؟ ثمّ هل يجوز للطبيبالجرّاح أن لا يعايد مريضته ولو بعد أسبوع من العمليّة على أقّل تقدير!
على فكرة هذه الطريقة لتقصير المعدة gastric plication غير مُعترف بها في ألمانيا ولا حتّى أمريكيا ولا في البلاد عندنا أقصد في الدّاخل الفلسطيني لعدم توفّر الأبحاث في هذا المجال كما ولا توجد لهذه اللحظة evidence based study وهي محفوفةٌ بالمخاطر! الزميل الدكتور عبد الله- وبشهادة زوج المرحومة- لم  يقدّم أوراق للإمضاء على العمليّة بما يختص بمخاطر هذه العمليّة أو خلال الفترة اللاحقة من العمليّة؛ كما أنّ المرحومة لم تُجَهّز  للعملية بما يختص بفحص الدّم، إجراء صورة رنتجن للرّئة، اجراء تخطيط قلب فحص كليني للعمليّة! أسأل نفسي باستغراب أين الإخلاص في العمل!
 
لقد كنت على إتّصال يومياً بالزملاء الأطبّاء الجراحين وأطباء الإسعاف المكثّف في مستشفى بلنسون وشرحوا لي بالتفصيل كيف بدأ الإلتهاب بعد العمليّة وماذا وجدوا بدون ذكر التّفاصيل!
 
أخيراً أقول لإبن أخي وحبيبي  وأهل المرحومة وأهلي إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد ، وهي علامة حب من الله له ؛ إذ هي كالدواء ، فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح : ( إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ) رواه الترمذي ( 2396 ) وابن ماجه ( 4031 ) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي . 
ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة ، وكيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة ) رواه الترمذي ( 2396 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي . 
وقال الحسن البصري رحمه الله : لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك – أي : هلاكك - . 
وقال الفضل بن سهل : إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، فهي تمحيص للذنوب ، وتعرّض لثواب الصبر ، وإيقاظ من الغفلة ، وتذكير بالنعمة في حال الصحة ، واستدعاء للتوبة ، وحضّ على الصدقة . 
والمؤمن يبحث في البلاء عن الأجر ، ولا سبيل إليه إلاَّ بالصبر ، ولا سبيل إلى الصبر إلاَّ بعزيمةٍ إيمانيةٍ وإرادةٍ قوية . 
وليتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) . 
وعلى المسلم إذا أصابته مصيبة أن يسترجع ويدعو بما ورد . 
فما أجمل تلك اللحظات التي يفر فيها العبد إلى ربه ويعلم أنه وحده هو مفرج الكرب ، وما أعظم الفرحة إذا نزل الفرج بعد الشدة ، قال الله تعالى : ( وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ) . 
وروى مسلم (918) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله " إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها " إلا أخلف الله له خيراً منها ) . قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها فأخلف اللهُ لي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم . 
 
أقول للأخ الزميل عبد الله حوراني بأن هذا المنشور هو رد على الكلام المغلوط لك 
 
أنّ الرّازق هو الله وحده، فلا بد من اليقين أن الرازق الوحيد هو الله تعالى، وأنه لا أحد يملك لأحد رزقاً، وسبب الرزق الوحيد هو إرادة الله وتقديره، وليس العمل أو الإرث، وليس التفكير ولا التخطيط ولا حسن التدبير، وما يُشاهَد من أحوال يأتي فيها الرزق لا تتعدى كونَها أحوالاً يرزق الله سبحانه وتعالى الناس عن طريقها، وليست هي سبب الرزق، فلا يعني أن من فقد عمله فقد رزقه، بل إنه سبحانه وتعالى هو الرزاق لعباده، يرزقهم بالكيفية التي يريدها ويهيئها لهم.
ويقع كثير من الناس في أخطاء أخرى متعلقة بالرزق، كظن بعضهم أن الرزق هو المال فقط، أو أن الرزق هو ما يكسبه بعرقه، أو أنه يطلب رزقاً يحقق له مستوى معيناً من العيش، وكأنه يشترط على الله تعالى كيفية رزقه ومقداره. حقاً إن الإنسان لا يدري ماذا يريد!! بل إن الإسلام قد أجاب الناس عن هذه الأسئلة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِيْ جَسَدِهِ، آمِناً فِيْ سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوْتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيْرِهَا) فماذا يحتاجُ الإنسانَ أكثرَ من الأمنِ والعافيةِ في بدنِه، وقوتِ يومِهِ؟ وورد عنه، عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلمٌ عن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: ألهاكم التكاثر. قال: "يقول ابن آدم: مالي. مالي. (قال) وهل لك، يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟)، فمهما امتلك الإنسان من المال، أو من متاع الدنيا، فإنه ليس له منه إلا ثلاثة أشياء: ما يأكله، وما يلبسه، وما يتصدق به. أما ما عدا ذلك مما يبقى معه فإنه ليس له.
الإخلاص في العمل من الأمور التي يجب الالتزام بها في كلّ وقت؛ لأنّ الإخلاص بصورةٍ عامّة يُعدّ من مكارم الأخلاق، وهو من الصفات الإسلامية الحميدة التي أمر الله تعالى بها عباده، كما يُعدّ الإخلاص دليلًا على صفاء النيّة ونقاء السريرة؛ لأنّ الإنسان المخلص في عمله لا ينتظر الثناء من الآخرين، بل يعمل بإخلاص لأنّه يعلم أن الإخلاص من صفات المؤمنين الصادقين، وقد جعله الله تعالى مقياسًا للمفاضلة بين أعمال العباد.
يكون الإخلاص بالعمل ذا تأثيرٍ عميق إن كان في أعمال الإنسان كافّة، كأن يُعطي الإنسان أفضل ما لديه من باب تنفيذ أمر الله تعالى أولًا، ومن باب الأمانة التي يجب تأديتها في العمل؛ لأن الله تعالى يُحب إن عمل العبد عملًا أن يُتقنه، مهما كان هذا العمل صغيرًا أو كبيرًا، كما أنّ الإخلاص في العمل يجرّ منافع كثيرة للإنسان والمجتمع، وهو بمثابة ركيزة أساسية تستند عليها أركان المجتمع بكامله، فالمعلّم المخلص في عمله يُنشئ جيلًا متعلمًا وواثقًا من نفسه، والطبيب المخلص في عمله يُسهم في شفاء الناس بسرعة وتخليصهم من آلامهم، وينطبق هذا على جميع الأعمال الدنيوية، لذلك فإنّ الإخلاص في العمل ضرورة لا بدّ منها، لارتباطه بحياة الناس والمجتمع، وتأثيره المباشر عليهم.
 
فهذا الرّد لا يؤخّر ولا يقدّم في رزقك شيئا  زميلي العزيز ولٰكن وعلى ما يبدو سيكونوا النّاس وخاصّة المَرضى منهم  حريصين كل الحرص قبل إجراء مثل هذه العمليّة!
 
الدكتور فؤاد شملة- ألمانيا
عمّ زوج المرحومة عامر شملة
 
اضف تعقيب
الإسم
عنوان التعليق
التعليق
ارسل
  • 04:31
  • 12:38
  • 04:17
  • 07:17
  • 08:40
  • You have an error in your SQL syntax; check the manual that corresponds to your MariaDB server version for the right syntax to use near ')) order by `order` ASC' at line 1